تاريخ الصناعة في إيران
المقدمة:
في الماضي، كان شعب إيران ومعظم شعوب العالم يمارسون الزراعة، ولم تكن الصناعة بمفهومها الحديث موجودة. كانت المياه والري مهمين للغاية للمزارعين، وكان الجفاف من أكبر التحديات. كانت هناك صناعات بدائية مثل صناعة الأسلحة، النسيج، وصياغة الذهب.
لذلك، كان لضرورة المياه والري والخوف من الجفاف تأثير كبير على عمل معظم الشعب الإيراني وعلى أهمية الأمن الغذائي في تلك السنوات. أما المهن الأخرى غير الزراعة، فكانت تُمارس بشكل عائلي وتنتقل من الأب إلى الابن. كان من النادر أن يغير الفرد مهنته عن مهنة الآباء والأجداد. هذا الأمر كان ينطبق على جميع البلدان والحضارات. كانت الصناعة الوحيدة المهمة في البلدان هي الصناعات العسكرية وإنتاج الأسلحة، صناعة أدوات الزراعة، أدوات الغزل البدائية، أواني الطعام وأدوات الحياة الأساسية مثل السيف، الرمح، الدرع، الفأس، المحراث للحرث، القدور وغيرها.
عصر الصفويين:
خلال فترة الصفويين، وبوجود التجار والصناعيين الأوروبيين، ازدهرت الصناعة في إيران. لكن حتى فترة القاجار، كانت الصناعة في إيران محدودة للغاية. مع الدخول في عصر البهلوي، بدأت التنمية الصناعية. حاول رضا شاه إحياء الصناعة في البلاد، واتخذ خطوات مهمة مثل إنشاء السكك الحديدية وتأسيس المصانع.
عصر القاجار:
بعد الصفويين وحتى فترة القاجار، بقيت الصناعة في إيران كما هي. في عهد القاجار، ومع التغيرات الجيوسياسية في العالم (ظهور وسقوط نابليون، تراجع الدولة العثمانية)، تغيرت ملامح الصناعة في إيران. ولقد تأثر ملوك القاجار بالسفر إلى أوروبا ورؤية نموها عن قرب، مما دفعهم لإرسال بعض أبناء النبلاء للدراسة في أوروبا، ما أدى إلى دخول بعض الصناعات إلى البلاد. خلال فترة القاجار، حدثت طفرتان صناعيتان: الأولى في عهد فتح علي شاه بتوجيه من نائبه عباس ميرزا، والثانية في عهد الصدر الأعظم أمير كبير، حيث شهدت الصناعة نقلة نوعية.
كان عباس ميرزا قد لاحظ ضعف الجيش الإيراني أمام أكبر تهديد له، وهو الإمبراطورية الروسية، فسعى لتوطين صناعة البنادق والمدافع في البلاد. أرسل الحرفيين إلى أوروبا (بريطانيا) لتعلم كيفية تصنيع البنادق وبدأ الإنتاج في إيران. كما استعان بالمهندسين الفرنسيين ثم البريطانيين لبدء صناعة المدافع. في عهد أمير كبير، تم إحياء الصناعات وتأسيس المصانع الصناعية في البلاد، وكان من أوائل أعماله تأسيس مصنع غورخانه (لتصنيع الأسلحة)، والذي لا يزال يعمل حتى اليوم في منطقة حكيمية بإيران تحت اسم “الصناعات الميكانيكية”.
في عام 1852 (1268 هـ – 1230 ش)، أُنشئت مصانع السكر في مدينتي ساري وبابل، حيث كانت تُصفى فيها سكر مازندران ويتم إنتاج السكر الأبيض. في نفس العام، أُنشئت مصانع لصناعة الزجاج والبورسلين في طهران، ومصانع السكر في قم وأصفهان، بالإضافة إلى مصانع أخرى مثل مصنع الطاقة الكهربائية في مشهد، ومصنع القطن في سبزوار، وصناعة الصابون والطوب، وصناعة الورق والحبال في طهران، ونسيج القماش والحرير في كاشان.
سعى أمير كبير إلى توسيع وتطوير الصناعات، فأرسل الحرفيين إلى أوروبا بين عامي 1267 و1275 هـ لتعلم فنون النسيج وصناعة البورسلين والورق. أولى أمير كبير اهتماماً كبيراً لاستخراج المعادن في إيران وفقاً للأساليب العلمية الأوروبية، واستقدم متخصصين من النمسا، ما أدى إلى تقدم ملحوظ. كما أسس الروس مصانع لتجهيز القطن واستخلاص زيت الزيتون، وأقام الألمان ورشة حدادة في أذربيجان. وقد اهتم الصدر الأعظم بتطوير الصناعات الوطنية بقدر اهتمامه بتصنيع المنتجات الأجنبية في الداخل، حيث ازدهرت صناعة الشال الصوفي في مازندران لدرجة استخدامه بدلاً من الملابس العسكرية.
بعد وفاة أمير كبير، تعرضت جميع برامجه للإهمال خلال حكم القاجار؛ توقفت الصناعة، وتحولت الورش والمصانع التي تأسست بآمال كبيرة إلى خراب.
عصر البهلوي:
نهاية فترة القاجار شهدت دمارًا ومرضًا ومجاعة وفوضى ورغبة في الانفصال لدى الأقوام (بسبب الحرب العالمية الأولى وعدم كفاءة أحمد شاه القاجاري). ركز البهلوي الأول جهوده أولاً على الحفاظ على وحدة البلاد وقمع المعارضين، ثم حاول لاحقاً إحياء الصناعة الوطنية.
بعد تأسيس جيش منظم وضمان الأمن في جميع أنحاء البلاد، بدأ رضا شاه في تطوير الصناعة الإيرانية. تم بناء خط سكة حديد من الشمال إلى الجنوب (على عكس الرغبة البريطانية التي كانت تفضل خط سكة حديد من الشرق إلى الغرب)، وتم إنشاء عشرات المصانع الإنتاجية، من بينها مصانع الغزل والنسيج، الأسمنت، التبغ، والسكر.
من بين الإنجازات المهمة في فترة البهلوي الأول، تأسيس جامعة في مدينة مسجد سليمان لتعليم وتدريب المختصين الإيرانيين في استخراج النفط. في عهد البهلوي الثاني، وبعد انقلاب 1953، اتجهت البلاد نحو التصنيع. وبلغت ذروة هذا الاتجاه في الستينات وبداية السبعينات، حيث حقق التقنوقراط بقيادة عليخاني معدل نمو متوسط بلغ 11.9% خلال الستينات (ووصل إلى أكثر من 16% في بعض السنوات المتتالية). شهدت هذه الفترة دعماً كبيراً للصناعات الوطنية. ومن بين الإجراءات الداعمة: تسهيل استيراد الآلات الصناعية، إعادة هيكلة وزارة الاقتصاد، تأسيس منظمة الإدارة الصناعية، وإنشاء وحدات صناعية كبيرة مثل مجمع الحديد والصلب في أصفهان، ومصانع النحاس في سرچشمه، وصناعة الجرارات في تبريز، وصناعة الآلات في أراك وغيرها. انتهى هذا العصر الذهبي نتيجة الغرور الزائد للبهلوي الثاني وعزل عليخاني من وزارة الاقتصاد.
ما بعد الثورة:
بعد الثورة الإسلامية، وبسبب الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق والظروف الخاصة لإيران، شهدت الصناعة تراجعاً كبيراً، وانخفض معدل النمو الاقتصادي. خلال التسعينات، كان الطلب الكبير في السوق يعني أن كل صانع يباشر الإنتاج يحقق النجاح. كان الفرق بين تكلفة المواد الخام والمنتج النهائي كبيراً لدرجة جعلت الإنتاج مجدياً اقتصادياً.
في العقد الأول من الألفية الجديدة ومع ظهور المنتجات الصينية، واجه الصناعيون الإيرانيون منافسة كبيرة. المنتجات الصينية الرخيصة، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الخام (بسبب زيادة الطلب في الصين)، تشكل اليوم تحدياً كبيراً للصناعيين الإيرانيين.
بعد الثورة، واجهت الصناعة الإيرانية تحديات مثل الحرب والاستيراد من الصين. اليوم، يواجه الصناعيون الإيرانيون منافسة مع المنتجات المستوردة وتحديات بيروقراطية، ما يدفع الكثيرين إلى تفضيل التجارة على الإنتاج